فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون فإن له معطوفًا على أنه، على أن جواب من محذوف تقديره: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فإن له نار جهنم انتهى، فيكون فإنّ له نار جهنم في موضع نصب.
وهذا الذي قدره لا يصح، لأنهم نصوا على أنه إذا حذف الجواب لدلالة الكلام عليه كان فعل الشرط ماضيًا في اللفظ، أو مضارعًا مجزومًا بلم، فمن كلامهم: أنت ظالم إن فعلت، ولا يجوز أن تفعل، وهنا حذف جواب الشرط، وفعل الشرط ليس ماضي اللفظ ولا مضارعًا مقرونًا بلم، وذلك إنْ جاء في كلامهم فمخصوص بالضرورة.
وأيضًا فتجد الكلام تامًا دون تقدير هذا الجواب.
ونقلوا عن سيبويه أنّ أنّ بدل من أنه.
قال ابن عطية: وهذا معترض بأن الشيء لا يبدل منه حتى يستوفى.
والأولى في هذا الموضع لم يأت خبرها بعد أن لم يتم جواب الشرط، وتلك الجملة هي الخبر.
وأيضًا فإنّ الفاء مانع البدل وأيضًا، فهي معنى آخر غير الأول، فيقلق البدل.
وإذا تلطف للبدل فهو بدل اشتمال انتهى.
وقال أبو البقاء: وهذا يعني البدل ضعيف لوجهين: أحدهما: أن الفاء التي معها تمنع من ذلك، والحكم بزيادتها ضعيف.
والثاني: أن جعلها بدلًا يوجب سقوط جواب الكلام انتهى.
وقيل: هو على إسقاط اللام أي: فلأن له نار جهنم، فالفاء جواب الشرط، ويحتاج إلى إضمار ما يتم به جواب الشرط جملة أي: فمحادته لأن له نار جهنم.
وقرأ ابن أبي عبلة: فإن له بالكسر في الهمزة حكاها عنه أبو عمرو الداني، وهي قراءة محبوب عن الحسن، ورواية أبي عبيدة عن أبي عمرو، ووجهه في العربية قوي لأنّ الفاء تقتضي الاستئناف، والكسر مختار لأنه لا يحتاج إلى إضمار، بخلاف الفتح.
وقال الشاعر:
فمن يك سائلًا عني فإني ** وجروة لا ترود ولا تعار

وعلى هذا يجوز في أنّ بعد فاء الجزاء وجهان: الفتح، والكسر.
ذلك لأن كينونة النار له خالدًا فيها هو الهوان العظيم كما قال: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَلَمْ يَعْلَمُواْ} أي أولئك المنافقون، والاستفهامُ للتوبيخ على ما أقدَموا عليه من العظيمة مع علمهم بسوء عاقبتِها، وقرئ بالتاء على الالتفات لزيادةِ التقريعِ والتوبيخ أي ألم يعلموا بما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من فنون القوارعِ والإنذارات {أَنَّهُ} أي الشأنَ {مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ} المحادَّةُ من الحدّ كالمُشاقّة من الشَّق والمعاداةُ من العُدوة بمعنى الجانبِ فإن كلَّ واحدٍ من مباشري كلِّ الأًفعالِ المذكورة في محل غيرِ محلِّ صاحبِه، ومَنْ شرطيةٌ جوابُها قوله تعالى: {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} على أن خبرَه محذوفٌ أي فحَقٌّ أن له نارَ جهنم، وقرئ بكسر الهمزةِ والجملةُ الشرطيةُ في محلّ الرفعِ على أنها خبرٌ لأن وهي مع خبرها سادةٌ مسدَّ مفعولي يعلموا، وقيل: المعنى فله، وإنّ تكريرٌ للأولى تأكيدًا لطول العهدِ لا من باب التأكيدِ اللفظيِّ المانعِ للأولى من العمل، ودخولُ الفاءِ كما في قول من قال:
لقد علم الحيُّ اليمانُونَ أنني ** إذا قلتُ: أما بعدُ، أني خطيبُها

وقد جوّز أن يكون فإن له معطوفًا على أنه، وجوابُ الشرط محذوفٌ تقديرُه ألم يعلموا أنه من يحاددِ الله ورسولَه يهلِكْ فإن له الخ، ورُدّ بأن ذلك إنما يجوز عند كونِ فعلِ الشرط ماضيًا أو مضارعًا مجزومًا بلم {خَالِدًا فِيهَا} حالٌ مقدّرةٌ من الضمير المجرورِ إن اعتُبر في الظرف ابتداءُ الاستقرار وحدوثُه وإن اعتبر مطلقُ الاستقرارِ فالأمرُ ظاهر {ذلك} أشير إلى ما ذكر من العذاب الخالدِ بذلك إيذانًا ببُعد درجتِه في الهول والفظاعةِ {الخزى العظيم} الخزيُ الذلُّ والهوانُ المقارِنُ للفضيحة والندامة، وهي ثمراتُ نفاقِهم حيث يفتضحون على رؤوس الأشهادِ بظهورها ولُحوقِ العذاب الخالدِ بهم، والجملةُ تذييلٌ لما سبق. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا}
{أَلَمْ يَعْلَمُواْ} أي أولئك المنافقون، والاستفهام للتوبيخ على ما أقدموا عليه من العظيمة مع علمهم بما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بو خامة عاقبتها.
وقرئ {تَعْلَمُواْ} بالتاء على الالتفات لزيادة التقريع والتوبيخ إذا كان الخطاب للمنافقين لا للمؤمنين كما قيل به.
وفي قراءة {أَلَمْ تَعْلَمْ} [العلق: 14] والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه، والعلم يحتمل أن يكون المتعدي لمفعولين وأن يكون المتعدي لواحد {أَنَّهُ} أي الشأن {مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ} أي يخالف أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وأصل المحادة مفاعلة من الحد بمعنى الجهة والجانب كالمشاقة من الشق والمعاداة من العدوة بمعناه أيضًا فإن كان واحد من مباشري كل من الأفعال المذكورة في حد وشق وعدوة غير ما عليه صاحبه، ويحتمل أن تكون من الحد بمعنى المنع، و{مِنْ} شرطية جوابها قوله سبحانه: {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} على أن خبره محذوف أي فحق أن له نار جهنم، وقدر ذلك لأن جواب الشرط لا يكون إلا جملة وأن المفتوحة مع ما في حيزها مفرد تأويلًا، وقدر مقدمًا لأنها لا تقع في ابتداء الكلام كالمكسورة، وجوز أن يكون المقدر خبرًا أي الأمر أن له الخ، وقيل المراد فله نار جهنم وأن تكرير {إن} في قوله سبحانه: {أَنَّهُ} توكيدًا قيل: وفيه بحث لأنه لو كان المراد فله وأن توكيدًا لكان نار جهنم مرفوعًا ولم يعمل {إن} فيه، ولما فصل بين المؤكد والمؤكد بجملة الشرط، ولما وقع أجنبي بين فاء الجزاء وما في حيزه.
وأجيب بأنه ليس من باب التوكيد اللفظي بل التكرير لبعد العهد وهو من باب التطرية ومثل ذلك لا يمنع العمل ودخول الفاء.
ونظيره قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السوء بجهالة ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 119] وقوله:
لقد علم الحي اليمانون أنني ** إذا قلت أما بعد أني خطيبها

وكم وكم.
وجعل الآية من هذا الباب نقله سيبويه في الكتاب عن الخليل وهو هو وليس {زَعَمَ} في كلامه تمريضًا له لأنه عادته في كل ما نقله كما بينه شراحه وجوّز أن يكون معطوفًا على {أَنَّهُ} وجواب الشرط محذوف أي ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فان له الخ.
وحاصله ألم يعلموا هذا وهذا عقيبه ولا يخفى بعده مع أن أبا حيان قال: إنه لا يصح لأنهم نصوا على أن حذف الجواب إنما يكون إذا كان فعل الشرط ماضيًا أو مضارعًا مجزومًا بلم وما هنا ليس كذلك.
وتعقبه بعضهم بأن ما ذكره ليس متفقًا عليه فقد نص ابن هشام على خلافه فكأنه شرط للأكثرية، والقول بأن حق العطف فيما ذكر أن يكون بالواو قال فيه الشهاب ليس بشيء إلا أن استحقاقه النار بسبب المحادة بلا شبهة، وقرئ {فَانٍ} بالكسر ولا يحتاج إلى توجيه لظهوره، وقوله سبحانه: {خَالِدًا فِيهَا} حال مقدرة من الضمير المجرور ان اعتبر في الظرف ابتداء الاستقرار وحدوثه وانه اعتبر مطلق الاستقرار فالأمر واضح {ذلك} أي ما ذكر من العذاب {الخزى العظيم} أي الذل والهوان المقارن للفضيحة، ولا يخفى ما في الحمل من المبالغة، والجملة تذييل لما سبق. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا}
هذه الجملة تتنزل من جملة {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [التوبة: 62] منزلة التعليل، لأنّ العاقل لا يرضى لنفسه عملًا يَؤول به إلى مثل هذا العذاب، فلا يُقدم على ذلك إلاّ مَن لاَ يعلم أنّ من يحادد الله ورسوله يصير إلى هذا المصير السيئ.
والاستفهام مستعمل في الإنكار والتشنيع، لأنّ عدم علمهم بذلك محقّق بِضرورة أنّهم كافرون بالرسول، وبأنّ رضى الله عند رضاه ولكن لمّا كان عدم علمهم بذلك غريبًا لوجود الدلائل المقتضية أنّه ممّا يحقّ أن يعلموه، كان حال عدم العلم به حالًا منكرًا.
وقد كثر استعمال هذا ونحوه في الإعلام بأمر مهمّ، كقوله في هذه السورة: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} [التوبة: 104] وقوله: {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم} [التوبة: 78] وقول مَوْيَال بن جهم المذحجي، أو مبشر بن هذيل الفزاري:
ألَمْ تعلَمي يا عَمْرَككِ اللَّهَ أنّني ** كريمٌ على حينَ الكرامُ قليل

فكأنّه قيل: فلْيعلموا أنّه من يُحادد الله الخ.
والضمير المنصوب بـ {أنّه} ضمير الشأن، وفسّر الضمير بجملة {من يحادد الله} إلى آخرها.
والمعنى: ألم يعلموا شأنًا عظيمًا هو من يحادد الله ورسوله له نار جهنّم.
وفكّ الدَّالان من {يحادد} ولم يُدغما لأنّه وقع مجزومًا فجاز فيه الفَكّ والإدغام، والفكّ أشهر وأكثر في القرآن، وهو لغة أهل الحجاز، وقد ورد فيه الإدغام نحو قوله: {ومن يشاق الله} في سورة الحشر (4) في قراءة جميع العشرة وهو لغة تميم.
والمحادَّة: المُعاداة والمخالفة.
والفاء في {فأن له نار جهنم} لربط جواب شرط {مَن}.
وأعيدت {أنَّ} في الجواب لتوكيد {أنَّ} المذكورة قبلَ الشرط توكيدًا لفظيًا، فإنّها لما دخلت على ضمير الشأن وكانت جملة الشرط وجوابه تفسيرًا لضمير الشأن، كان حكم {أنَّ} ساريًا في الجملتين بحيث لو لم تذكر في الجواب لعُلِم أنّ فيه معناها، فلمّا ذكرت كان ذكرها توكيدًا لها، ولا ضيرَ في الفصل بين التأكيد والمؤكَّد بجملة الشرط، والفصل بين فاء الجواب ومدخولها بحرففٍ، إذ لا مانع من ذلك، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {ثم إن ربك للذين عملوا السوءَ بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [النحل: 119] وقول الحماسي، وهو أحد الأعراب:
وإنَّ امرءًا دامت مواثيق عهده ** على مثل هذا إنَّه لكريم

و{جهنّم} تقدّم ذكرها عند قوله تعالى: {فحسبه جهنم وبئس المهاد} في سورة البقرة (206).
والإشارة بذلك إلى المذكور من العذاب أو إلى ضمير الشأن باعتبار تفسيره.
والمقصود من الإشارة: تمييزه ليتقرّر معناه في ذهن السامع.
و{الخزي} الذلّ والهوان، وتقدّم عند قوله تعالى: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا} في سورة البقرة (85). اهـ.

.قال الشعراوي:

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
إذا سمعت {أَلَمْ}، فافهم أن هذا استنكار، كأن وسائل العلم قد تقدمت، وكان من الواجب أن تعلم. فإذا قلت لإنسان: ألم تعلم أنه حدث كذا وكذا؟ فمعنى ذلك أنه قد أعلن عن هذا الحدث عدة مرات، ومع ذلك لم يعلمه. وهذا استنكار لتخلُّف هذا الإنسان عن العلم.
وهنا يستنكر الحق عدم علم المنافقين بقضية أعلنها الله مرات ومرات، وكان يجب أن يعلموها وألا تزول عن خواطرهم أبدًا. وسبق أن قلنا: إن الاستفهام فيه نفي، والهمزة همزة استفهام. ولم تأت للنفي، وإذا دخلت همزة الاستفهام على النفي يكون استنكارًا. فإن قلت لإنسان: ألم أكرمك؟ كأنك أكرمته عدة مرات وهو مُنكر لذلك.
وقول الحق سبحانه وتعالى: {أَلَمْ يعلموا} هو إقامة للحجة على أن الحكم قد بلغهم؛ لأنه من الجائز أن يقولوا: إن الحكم لم يبلغنا، فيوضح لهم الحق: بل بلغكم الحكم وقد أعلمتكم به عدة مرات.
{أَلَمْ يعلموا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله} ما معنى يحادد؟ نجد في الريف أن أهل الريف يضعون علامات من الحديد تفصل بين قطعة أرض وأخرى مجاورة لها، كعلامة على الشيء الذي يفصل بين حق وحق ويسمونها حدًّا، والذين يحادون الله هم الذين يجعلون الله في جانب وهم في جانب، وبذلك لا يعيشون في معية الله ولا ينعمون بنعمة الإيمان به سبحانه ولا يطبقون منهجه. بل يجعلون حدًّا بينهم وبين ما أمر به الله.
وعندما أراد العلماء تفسير هذه الآية قالوا: {يُحَادِدِ} تعني: يعادي، وقالوا: بمعنى يشاقق؛ أي: يجعل نفسه في شق والله ورسوله ودينه في شق آخر. أو: يحارب دين الله فيكون هو في وجهة ودين الله في وجهة أخرى. وهناك علاقة بين كلمة يحارب وكلمة حد، فحدُّ السيف هو الجزء القاطع منه الذي يفصل أي شيء يقطعه إلى جزءين، فكأن الذي يحادد هو من يحارب منهج الله ورسوله. فهو لا يكفر بالله فقط، ولكنه يحمل السلاح ليجعل خلق الله يكفرون أيضًا.